الخميس، 20 أكتوبر 2011

"ستاري موست".. أغرب جسور العصور الوسطى


كقوس قزح يعانق سماء البوسنة والهرسك

كتب محمد خميس:

تحتضن الطبيعة في البوسنة والهرسك التي تقع في الجزء الغربي من شبه جزيرة البلقان، أغرب وأعظم الجسور التي خلفتها الحضارة العثمانية على نهر "نرتفا"، والذي نال إعجاب الرحالة واصفينه بأنه يشبه الى حد كبير قوس قزح، ويرتفع ليعانق السماء، انه جسر "ستاري موست" كما يلقبه ابناء البلدة باللغة السلوفيتية العتقية، وتعني بالعربية "الجسر القديم"، أمر ببنائه السلطان سليمان الأول القانوني عام 1557، واجهته شراسة الحرب ولحقه الدمار وتمت إعادة بنائه مرة اخرى ليحظى بتمثيله معلما سياحيا وحضاريا محققا جذبا للآلاف من السياح سنويا من داخل البوسنة وخارجها.

يربط جسر المشاه "ستاري موست" بين شطري البوسنة والهرسك، ويبلغ طوله حوالي 30 مترا، وبعرض 4 أمتار، ويرتفع عن النهر بحوالي 24 مترا، متضمنا برجين يتخذان شكل الحصن على طرفي الجسر، ويقع الحصن الأول في اتجاه الشمال الشرقي ويلقب ببرج "هيليبيجا" Helebija" اما البرج الثاني فيعرف بجسر "تارا" ويقع في جهة الجنوب الغربي.

العمارة العثمانية

ويتسم الجسر بطابع العمارة العثمانية التي كست ملامحه، وقد تم البدء في بنائه عام 1557 م بعدما امر ببنائه السلطان سليمان الأول ابن سليم القانوني في عصر الدولة العثمانية والذي اشتهر بكونه ابرز حاكم في القارة الاوروبية وقتها، وتمت الاستعانة بالاحجار الجيرية في بناء دعامات الجسر، ولوحظ ان الجسر تم بناؤه بطريقة تتلاءم مع منسوب مياه النهر سواء في فترات الارتفاع او الانخفاض، واستغرقت عملية بنائه حوالي 9 سنوات متصلة تقريبا، وتضاربت الاقوال حول تاريخ الانتهاء من بناءه ولكن ارجح القصص انه تم الانتهاء منه في الفترة بين 19 يوليو 1566 و7 يوليو 1567.

تقنية عالية

ان اكثر ما حير العالم ان ذاك هو الاستعانة بتقنية عالية في بناء الجسر، حيث ابدى الكثير من الهندسيين إعجابهم من كيفية نصب معدات البناء "السقالات" بالإضافة إلى كيفية نقل الاحجار ذات الاحجام الكبيرة التي دخلت في بناء الجسر الى موقع البناء ورفعها الى هذا الارتفاع، كذلك استقرار السقالات فترة امتدت حتى الانتهاء من مراحل البناء، وتعد هذه الفترة الاطول بالنسبة لهندسة البناء وقتها ونصب "السقالات"، الأمر الذي جعل الجسر يصنف كونه احد اعظم الجسورعمارة.

قصف مدفعي

وتعرض الجسر للقصف بالمدفعية من قبل القوات الكرواتية خلال الحرب بين البوسنة والهرسك في 8 نوفمبر 1993 وتم تدمير اجزاء كبيرة منه في اليوم التالي من القصف، وذكرت الصحف الصادرة في "سراييفو" واصفة بأن الجسر انهار بعد قصفه بأكثر من 60 قذيفة أدت الى انهيار جزء كبير منه ولم يتم تدميره بالكامل.

وفي تصريح للمتحدث باسم الجيش الكرواتي انه حرص على تدمير الجسر عمدا مدعيا ان تدميره كان جزءا من الخطة حيث تمتعه باهميته الاستراتيجية.

وقد شكل تدمير الجسر عقبة كبيرة في تنقل المواطنين من والى جانبي النهر، ولذلك تم عمل كابلات معدنية مؤقتة تسمح بمرور المشاة عليه.

استعادة الجسر

واعقبت الفترة بعد الحرب طرح عدة خطط لاعادة بناء الجسر مرة اخرى واشرف على المشروع الثقافي المهم كل من البنك الدولي ومنظمة اليونسكو ومؤسسة الاغاخان للثقافة والصندوق العالمي للاثار، كما حرصت كل من دول ايطاليا وهولندا وتركيا وكرواتيا ومجلس مصرف التنمية على تقديم الدعم الكبير لاعادة اعمار الجسر مرة اخرى.

وفي مطلع اكتوبر 1998 قامت منظمة اليونسكو بانشاء لجنة دولية مكونة من عدد من الخبراء للاشراف على اعمال التصميم واعادة بناء الجسر على غرار البناء القديم والطراز المعماري الاصلي له، وقد روعي استخدام احدث المواد والتقنية الحديثة في عملية البناء، وبدات الاعمال الانشائية للجسر في 7 يونيو عام 2001 وتم الانتهاء منه في 23 يوليو عام 2004.

سياحة وشهرة

ويتسم الجسر باكتسابة شهرة كبيرة باستقطاب العديد من هواة القفز من مسافات عالية ليمارسوا رياضتهم المفضلة وسط تصفيق وتشجيع حارين من مرتادي الطبيعة والمناظر الخلابة التي تكسو الجسر وتحده من كل جانب، واصبح "ستاري موست" معلما سياحيا هاما ونافذة مهمة للبوسنة جاذبا اليه الالاف من السياح بصفة دورية في ملحمة نشطت حركة السياحة الداخلية والخارجية للبوسنة.

تم نشر المقال بجريدة السيارات - مسقط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق